آداب العيد فى الإسلام
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
إن الإسلام دين السماحة واليسر ، ومن يسر الإسلام وسماحته أن جعل للناس أيام فرح وسرور ، ومن هذه الأيام أيام عيد الفطر وعيد الأضحى فما أحوجنا إلى معرفة آداب الأعياد فى الإسلام.
الأعياد فى الإسلام عيدان اثنين لا ثالث لهما:
عن أنس بن مالك رضى الله عنه: أنه قال : « كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم : قال : كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما : يوم الفطر ، ويوم النحر»( أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم 1134) .
ففى هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعياد فى الإسلام عيدين اثنين هما عيد الفطر المبارك ، وعيد الأضحى ، فلا يعرف الإسلام الأعياد الأخرى التى أحدثها الناس من عيد الربيع ، وعيد الحب ، وغيرهما من الأعياد .
فينبغي على المسلم التزام ما أمر به الله عز وجل ، وما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، والبعد عما نهى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه حتى يسعد فى الدنيا والآخرة .
آداب العيد:
إن للأعياد فى الإسلام آداباً كثيرة أرشدنا إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم وحثنا على التحلي بها ومنها:
1- أداء الصلاة قبل الخطبة:
عن ابن عمر رضى الله عنهما: « أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة »( رواه البخاري ومسلم).
وعن جابر رضى الله عنه قال : « شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة »
( رواه البخاري ومسلم).
عن ابن عباس رضى الله عنه قال : « شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر وعمر فبدءوا الصلاة قبل الخطبة »( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى- حديث:6).
وعن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال :« شهدت عمر في يوم نحر بدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام هذين اليومين ، أما يوم الفطر ، ففطركم من صومكم وعيد للمسلمين » ، قال : ثم شهدت عثمان في فطر ويوم جمعة بدأ بالصلاة قبل الخطبة فقال : إن هذين عيدان اجتمعا في يوم »( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى حديث:7).
2- يستحب للإمام تخيير الناس فى الجلوس للخطبة أو الانصراف:
عن عبد الله بن السائب رضى الله عنه قال : حضرت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا العيد ، ثم قال : « قد قضينا الصلاة ، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب »( أخرجه أبو داود فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم 1155).
3- الأكل والشرب فى يوم العيد:
عن موسى بن علي عن أبيه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب »( أخرجه أبو داود فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم 2419).
4- يستحب الاغتسال والتطيب فى يوم العيد:
كان ابن عمر رضى الله عنهما: « كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى »
( أخرجه مالك فى الموطأ ، أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:13).
وعن عبيد الله بن عمر رضى الله عنه قال : أخبرني نافع أن ابن عمر رضى الله عنهما: « كان يغتسل للعيدين ، ويغدو قبل أن يطعم »( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:14).
وعن الجعد بن عبد الرحمن رضى الله عنه قال : « رأيت السائب بن يزيد يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى »( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:15).
وعن نافع أن ابن عمر رضى الله عنهما: كان يغتسل ويتطيب يوم الفطر.
عن سعيد بن المسيب أنه قال : « سنة الفطر ثلاث : المشي إلى المصلى ، والأكل قبل الخروج ، والاغتسال »( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الاغتسال للفطر حديث:17).
5- يستحب الأكل فى يوم عيد الفطر قبل الصلاة:
عن ابن المسيب قال : « كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة ، ولا يفعلون ذلك يوم النحر »( السنن الكبرى للبيهقي - كتاب صلاة العيدين- باب : يترك الأكل يوم النحر حتى يرجع - حديث:5763).
وعن ابن المسيب قال : « لا تغدوا يوم الفطر حتى تأكلوا ، ولا تأكلوا يوم النحر حتى تذكوا أو تنحروا»( أحكام العيدين للفريابي - باب ما روي في الأكل قبل الخروج إلى العيد يوم الفطر- حديث:19).
قال مالك رحمه الله :« وكان الناس يؤمرون أن يأكلوا قبل أن يغدوا يوم الفطر ، وعلى ذلك أدركت الناس ».
وعن أنس رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ ، ويأكلهن وِتراً "( رواه البخاري).
قال المهلب رحمه الله :الحكمة في الأكل قبل الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة.
وقال غيره: لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره على القليل من ذلك ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع .(فتح البارى : جـ 2 صـ447).
6- ليس لصلاة العيدين سنة قبلية ولا بعدية:
عن ابن عباس رضى الله عنهما : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين ، لم يصل قبلهما ولا بعدهما ، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة ، فجعلت المرأة تلقي خرصها ، وتلقي سخابها».
الخرص : الحلقة من الذهب أو الفضة.
السخاب : قلادة تتخذ من قرنفل ومحلب وسك ونحوه، وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء.
وعن جابر بن سمُرة رضى الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذانٍ ولا إقامة " (أخرجه مسلم فى صحيحه).
وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في يوم عيد أضحى ، فلم يصل قبلها ولا بعدها.(أحكام العيدين للفريابي حديث:143).
وعن نافع أن ابن عمر رضى الله عنهما: لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها .(أحكام العيدين للفريابي حديث:144).
7- التكبير يوم العيد:
وهو من السنن العظيمة في يوم العيد؛لقوله-تعالى-
( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))(البقرة: 185).
وقت التكبير:
وجمهور العلماء على أن التكبير في عيد الفطر من وقت الخروج إلى الصلاة إلى ابتداء الخطبة.
أما في عيد الأضحى: فمن صبح عرفة إلى عصر أيام التشريق وهي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة.
حكمة التكبير:
1 - المقصود من ذكر الله وتكبيره وحمده هو إحياء عظمة الله وكبريائه في القلوب .. لتتوجه إليه وحده في جميع الأحوال .. وتقبل النفوس على طاعته .. وتحبه وتتوكل عليه وحده لا شريك له .. لأنه الكبير الذي لا أكبر منه .. والرازق الذي كل النعم منه .. والملك الذي كل ما سواه عبد له .. والخالق الذي خلق كل شيء: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (102)} [الأنعام:102].
2 - إذا عرف القلب ذلك أقبل على طاعة الله، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه .. ولهج لسان العبد بذكر الله وحمده وشكره .. وتحركت جوارحه لعبادة الله بالمحبة والتعظيم والانكسار.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»(رواه البخاري ومسلم)( موسوعة الفقه الإسلامي: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري جـ2 صـ664).
صيغ التكبير:
يسن للمسلم أن يكبر ربه في تلك الأوقات الشريفة بما شاء.
1 - إما أن يكبر شفعا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
2 - أو يكبر وترا فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
3 - أو يكبر وترا في الأولى، وشفعا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
4 - أو يكبر شفعا في الأولى، ووترا في الثانية فيقول: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).
يفعل هذا مرة، وهذا مرة، والأمر في ذلك واسع ( موسوعة الفقه الإسلامي: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري جـ2 صـ665).
8- مخالفة الطريق:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق، والرجوع في طريق آخر؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق) (أخرجه البخاري في صحيحه).
قال الإمام المناوي رحمه الله:
(خالف الطريق) أي رجع في غير طريق الذهاب إلى المصلى فيذهب في أطولهما تكثيراً للأجر ويرجع في أقصرهما لأن الذهاب أفضل من الرجوع لتشهد له الطريقان أو سكانهما من إنس وجن أو ليسوي بينهما في فضل مروره أو للتبرك به أو لشم ريحه أو ليستفتى فيهما أو لإظهار الشعار فيهما أو لذكر الله فيهما أو ليغيظ بهم الكفار أو يرهبهم بكثرة أتباعه أو حذرا من كيدهم أو ليعم أهلهما بالسرور برؤيته أو ليقضي حوائجهم أو ليتصدق أو يسلم عليهم أو ليزور قبور أقاربه أو ليصل رحمه أو تفاؤلا بتغير الحال للمغفرة أو تخفيفا للزحام أو لأن الملائكة تقف في الطرق أو حذرا من العين أو لجميع ذلك أو لغير ذلك. (فيض القدير : جـ5 صـ201).
9- التهنئة:
يُستحبُّ أن يهنأ المسلمُ أخاه المسلمَ بالعيدِ.
عن خالد بن معدان قال : لقيت واثلة بن الأسقع في يوم عيد , فقلت : تقبل الله منا ومنك , فقال : " نعم ، تقبل الله منا ومنك " , قال واثلة : " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقلت : تقبل الله منا ومنك , قال : " نعم , تقبل الله منا ومنك "( أخرجه البيهقي في السنن وضعفه الألبانى انظر: السلسلة الضعيفة حديث رقم 5666).
وعن حبيب بن عمر الأنصاري ، أخبرني أبي قال : " لقيت واثلة يوم عيد فقلت: تقبل الله منا ومنك فقال : نعم ، تقبل الله منا ومنك "( أخرجه الطبراني فى الكبير ).
وعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبل منا ومنك). قال الحافظ : إسناده حسن.
وجاء في المغني لابن قدامة : قال أحمد رحمه الله : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد : تقبل الله منا ومنك.
وقال حرب : سئل أحمد عن قول الناس في العيدين : تقبل الله منا ومنكم قال : لا بأس به ، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة ، قيل : وواثلة بن الأسقع ؟ قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد ؟ قال : لا .
وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها أن محمد بن زياد قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ، وقال أحمد : إسناد حديث أبي أمامة جيد .
10- تشرع التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد:
شرع الإسلام فى هذه الأيام إدخال السرور على الأهل والأولاد ولكن لا بد أن يكون ذلك بالضوابط الشرعية التى أرشدنا إليها ديننا الحنيف بعيداً عما يغضب الله تبارك وتعالى ، وقد جاء ما يدل على ذلك ومنه:
ما روته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث ، فاضطجع على الفراش ، وحوَّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مِزمارةُ الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " دعهما " ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا . رواه البخاري ومسلم . جاء في رواية : " يا أبا بكر ، إن لكل قومٍ عيداً ، وهذا عيدنا) .(رواه البخاري ومسلم).
وفي رواية : أن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " لِتَعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة ، إني أُرسلت بحنيفية سمحة. (أخرجه أحمد فى مسنده وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 2319).
كانت هذه بعض السنن والآداب التى ينبغى للمسلم أن يحافظ عليها فى أيام العيد حتى يحصل من وراء الحسنات والأجر والثواب الجزيل من الله تبارك وتعالى
واسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه ولى ذلك والقادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com