حال السلف مع القرآن فى رمضــــــان
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
أيها الأخوة الأحباب :
شرف الله عز وجل شهر رمضان المبارك بنزول القرآن الكريم فيه على النبى صلى الله عليه وسلم ، فما أحوجنا إلى أن نعود إلى القرآن فى شهر رمضان ، فلا عز لنا ولا كرامة ولا رفعة فى الدنيا والآخرة إلا من خلال التمسك بالقرآن الكريم حفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً كى نسعد فى الدنيا والآخرة ، ونسود العالم بأسره كما كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضي الله عنهم تحققت لهم السيادة والعزة والكرامة عندما أخذوا القرآن الكريم منهج حياة ، من هذا المنطلق أكتب هذه المقالة المتواضعة حول السلف الصالح رضي الله عنهم مع القرآن الكريم فى رمضان
رمضـان شهر القرآن:
قال الله تعالى
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)( سورة البقرة : الآية : 185).
والقرآن: هو كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور ، فأنشأها هذه النشأة ، وبدلها من خوفها أمناً ، ومكن لها في الأرض ، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة ، ولم تكن من قبل شيئاً .
وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن.(فى ظلال القرآن : جـ1صـ145).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية :
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء.(تفسير ابن كثير : جـ1صـ268).
وأخرج الإمام أحمد فى مسنده عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام فى أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان »( أخرجه أحمد فى مسنده وحسنه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 1497).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة "( أخرجه البخاري في صحيحه).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
وفي حديث ابن عباس أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلا يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً)(سورة المزمل : الآية : 6)، وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ )(سورة البقرة : الآية : 185)
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله تعالى
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(سورة القدر : الآية : 1)، وقوله
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)(سورة الدخان : الآية : 3)( لطائف المعارف : صـ243).
حال النبي صلي الله عليه وسلم مع القرآن الكريم:
انظر وتأمل كيف كان حال النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن الكريم فى رمضان:كان النبي يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل، فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة).(أخرجه مسلم فى صحيحه).
وقد روي عن أبي ذر أن النبي قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته)(أخرجه أبو داود فى سننه - وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث : 1375).
وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام.
وكان الإمام أحمد رحمه الله : يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف، ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام.
وقال بعض السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل.(لطائف المعارف : صـ 245).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)(أخرجه أبو داود فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث : 1398).
حال السلف مع القرآن فى رمضان:
وانظر كيف كان حال السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع القرآن الكريم إذا دخل رمضان :
كان قتادة رضي الله عنه : يدرس القرآن في شهر رمضان.
وكان الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله إذا دخل رمضان يقول: إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام.
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله : كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث، ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وقال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري رحمه الله : إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
وكانت عائشة رضي الله عنها: تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت.
وقال سفيان رحمه الله : كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.( لطائف المعارف : صـ246).
صور مضيئة من حياة السلف مع القرآن الكريم
انظر وتأمل فى علو الهمة عند السلف الصالح رضوان الله عليهم فى تلاوة القرآن وختمه أكثر من مرة بصور عجيبه:
قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها.
كان الأسود بن يزيد رحمه الله: يقرأ في كل ليلتين في رمضان.
وكان إبراهيم النخعي رحمه الله: يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث.
وكان قتادة رحمه الله : يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة.
وكان للشافعي رحمه الله في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة. وعن أبي حنيفة نحوه.(لطائف المعارف : صـ 245).
ثم قال الإمام ابن رجب رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار:
وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أوفي الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان. وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.(لطائف المعارف : صـ 245).
وعن محمد بن مسعر رحمه الله قال: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن.
وعن ابن وهب رحمه الله: قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته؟ قالت: المصحف، والتلاوة.
وقال عمرو بن علي رحمه الله : كان يحيى بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة يدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر فيحدث الناس.
وقال الإمام البغوي رحمه الله : أخبرت عن جدي أحمد بن منيع رحمه الله أنه قال: أنا من نحو أربعين سنة أختم في كل ثلاث.
وعن مسبح بن سعيد قال: كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة.
وقال سليمان بن يسار رحمه الله:
قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد العشاء فقرأ القرآن كله في ركعة لم يصل قبلها ولا بعدها.
وعن ابن سيرين رحمه الله: أن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.
وعن الحارث بن يزيد رحمه الله: أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن في كل ليلة ثلاث مرات.
وقال ابن شوذب رحمه الله: كان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم في المصحف نظراً، ويقوم به الليل.
الإمام حمزة بن حبيب الزيات، القيم بكتاب الله، العابد الخاشع، القانت لله يقول: نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري.
قال يحيى اليماني رحمه الله:
لما حضرت الوفاة أبا بكر بن عياش بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.(ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله: للدكتور سيد حسين العفانى جـ2صـ121-126).
وثابت البناني قال عنه شعبة: كان ثابت يقرأ القرآن في يوم وليلة، ويصوم الدهر.
وقال أسد بن الفرات رحمه الله :
كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة، رغبة في إحياء العلم.
الإمام أبو حنيفة رحمه الله:
كان يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان في كل يوم مرتين، مرة في النهار ومرة في الليل.
أبو العباس بن عطاء رحمه الله:
له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات.
الحافظ ابن عساكر رحمه الله:
كان يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم.
وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على كل لحظة تذهب في غير طاعة.
الإمام البخاري رحمه الله:
كان يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة.
أما إمام أهل السنة أحمد بن حنبل فقد قال عنه جعفر ابن أبي هاشم:
سمعت أحمد بن حنبل يقول: ختمت القرآن في يوم، فعددت موضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون.
وقال الإمام علي بن المديني شيخ البخاري:
حفر شبر الحافي قبره، وختم فيه القرآن وكان ورده ثلث القرآن.
شيخ الإسلام الحافظ الناقد أبو بكر بن محمد بن محمد تقي الدين البلاطنسي:
كان يختم في رمضان في كل ليلة ختمتين، وأكب في آخر عمره على التلاوة فكان لا يأتيه الطلبة لقراءة الدرس إلا وجدوه يقرأ القرآن.
والشيخ الفاضل محمد بن علاء شمس الدين البابلي القاهري الشافعي:
كان كثير العبادة يواظب على قراءة القرآن سراً وجهراً، وكان راتبه في كل يوم وليلة نصف القرآن ويختم يوم الجمعة ختمة كاملة، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي أبو عبد الله الحلفاوي التونسي نزيل غرناطة يعرف بابن المؤذن:
كان صاحب مقامات وكرامات، حسن الصلاة جداً، وكان يختم في رمضان مائة ختمة.(ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله: للدكتور سيد حسين العفانى جـ2صـ130- 134).
وعقد الإمام النووي رحمه الله فى كتابه القيم: (التبيان فى آداب حملة القرآن) فصلاً فى موقف السلف مع القرآن الكريم جاء فيه :
ينبغي أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه.
فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة وعن بعضهم في كل شهر ختمة ، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة ، وعن بعضهم في كل ثمان ليال وعن الأكثرين في كل سبع ليال ، وعن بعضهم في كل ست ، وعن بعضهم في كل خمس ، وعن بعضهم في كل أربع ،وعن كثيرين في كل ثلاث ،وعن بعضهم في كل ليلتين ، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة ، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين ، ومنهم من كان يختم ثلاثاً وختم بعضهم ثمان ختمات أربعا بالليل وأربعا بالنهار.
فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم: عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات: سليم بن عمر رضي الله عنه قاضي مصر في خلافة معاوية رضي الله عنه.
وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات.
وانظر إلى هذا الخبر العجيب بعضهم ختم ثماني مرات فى اليوم والليلة:
قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول :
كان ابن الكاتب رضي الله عنه يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة.
وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زادان من عباد التابعين رضي الله عنه :
أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر ويختمه أيضا فيما بين المغرب والعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل.
وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء.
وعن منصور قال: كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان.
وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.
ثم يقول الإمام النووي رحمه الله :
وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله عنهم ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة: فكثيرون نقل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين كعبد الرحمن بن يزيد وعلقمة وإبراهيم رحمهم الله.
ثم يقول الإمام النووي رحمه الله بعد ذكر هذه الآثار :
والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه وكذا من كان مشغولا بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل
والهذرمة.( التبيان فى آداب حملة القرآن : صـ59- صـ63).
قال كعب رحمه الله : ينادي يوم القيامة مناد بأن كل حارث يعطى بحرثه، ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب، ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل، كما في المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال: (الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب بالنهار، ويقول بالقرآن: منعته النوم بالنهار فشفعني فيه فيشفعان)( أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (3882) ، وصحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (1429).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص به كشهوة فضول الكلام المحرم، والنظر المحرم والسماع المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته، فأما من ضيّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيّعك الله كما ضيّعتني، كما ورد مثل ذلك في الصلاة.
وقال بعض السلف:
إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شمّ رأسه. قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال شمّ قلبه. فيقول: أجد في قلبه الصيام. فيقال: شمّ قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام.
فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل ،وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل.(لطائف المعارف : صـ246 وما بعدها).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون.
وقال محمد بن كعب رحمه الله : كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده.
وقال وهيب بن الورد رحمه الله : قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي.
وقال أحمد بن الحواري رحمه الله : إني لأقرأ القرآن وانظر في آية فيحير عقلي بها،
وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا.
وأنشد ذو النون المصريّ:
منع القرآن بوعده ووعيده ... مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهماً تذل له الرقاب وتخضع.(لطائف المعارف : صـ248).
فما أحوجنا أيها الأخوة الأحباب لاغتنام هذا الشهر الكريم فى القرآن الكريم قراءة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً حتى نسعد فى الدنيا والآخرة وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحبه ويرضاه وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إنه ولى ذلك والقادر عليه.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com