سنن وآداب الصيام
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن للصيام سنن وآداب كثيرة ينبغي على الصائم التحلي بها ومنها:
1-السحور واستحباب تأخيره :
عن أنس بن مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً "(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله :فيه دليل على استحباب السحور للصائم وتعليل ذلك بأن فيه بركة وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية لقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إجحاف به.
وقال أيضاً :ومما علل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب فإنه يمتنع عندهم السحور وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأمور الأخروية. (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : لابن دقيق العيد جـ 1 صـ 267).
وعن عمرو بن العاص قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور " ( رواه مسلم).
قوله صلى الله عليه وسلم
فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب):أي الفارق والمميز بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور.
قال الإمام القرطبي رحمه الله:هذا الحديث يدل على أن السحور من خصائص هذه الأمة ومما خفف به عنهم أكلة السحر.(الديباج على مسلم : جـ3صـ196 وما بعدها).
وعن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال: " إن السحور بركة أعطاكموها الله فلا تدعوها "( أخرجه أحمد في المسند وصححه الألباني في صحيح الجامع (1636).
وعن المقدام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك " (أخرجه أبو داود في سننه وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (4081) ،(7043).
ويتحقق السحور ولو بجرعة ماء :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين "( أخرجه أحمد في المسند وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3683)،(1844).
تأخير السحور :
عن أم حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" عجلوا الإفطار وأخروا السحور "( أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع (3989).
وعن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال : " تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة ، قلت : كم بين الأذان والسحور قال: قدر خمسين آية "( أخرجه البخاري في صحيحه).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب شاة وقدر نحر جزور فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة.
وقال ابن أبي جمرة:فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود.
وقال ابن أبي جمرة:كان صلى الله عليه و سلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر.(فتح الباري : جـ4صـ138).
وفى الحديث:تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان ، تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة وجواز المشي بالليل للحاجة لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه و سلم وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه و سلم لما يشعر لفظ المعية بالتبعية.(فتح الباري : جـ4صـ138).
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله :فيه دليل على استحباب تأخير السحور وتقريبه من الفجر والظاهر أن المراد بالأذان ههنا الأذان الثاني وإنما يستحب تأخيره لأنه أقرب إلى حصول المقصود من حفظ القوى وللمتصوفة وأرباب البطن في هذا الكلام تشوفوا فيه إلى اعتبار معنى الصوم وحكمته وهو كسر شهوة البطن والفرج وقالوا: إن من لم تتغير عليه عادته في مقدار أكله لا يحصل له المقصود من الصوم وهو كسر الشهوتين.
والصواب إن شاء الله أن ما زاد في المقدار حتى تعدم هذه الحكمة بالكلية لا يستحب كعادة المترفين في التأنق في المآكل والمشارب وكثرة الاستعداد فيها وما لا ينتهي إلى ذلك فهو مستحب على وجه الإطلاق وقد تختلف مراتب هذا الاستحباب باختلاف مقاصد الناس وأحوالهم واختلاف مقدار ما يستعملون.(إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : جـ 1 صـ 267).
معنى البركة في السحور:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :" البركة في السحور تحصل بجهات متعددة منها: بركة الأجر والثواب ، إتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب ، التقوي به على العبادة والزيادة في النشاط ، ومدافعة سوء الخلق الذي يسيره الجوع ، والتسبب بالذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة "( فتح الباري : جـ4صـ172).
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، لأن اليهود والنصارى يؤخرون "( أخرجه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7689) ، (7695).
وقال عمرو بن ميمون الأودي : كان أصحاب محمد أسرع الناس فطرًا ، وأبطأهم سحورًا .
وقال سعيد بن المسيب : كتب عمر إلى أمراء الأجناد : لا تكونوا مسبوقين بفطركم ، ولا منتظرين لصلاتكم اشتباك النجوم.(شرح صحيح البخاري : لابن بطال جـ4 صـ104).
(2) تعجيل الفطر :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يزال الناس بخير ، ما عجلوا الفطر "( أخرجه البخاري في صحيحه).
قال الإمام المناوي رحمه الله
لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) أي ما داموا على هذه السنة لان تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن الأنبياء فمن حافظ عليه تخلق بأخلاقهم.(التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ2صـ975).
(3) أن يفطر على الرطب أو التمر – إن تيسر أو الماء :
عن أنس رضي الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من الماء "( أخرجه الترمذي في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (696).
فوائد التمر :
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هو مقو للكبد ، ملين للطبع ،يزيد في الباه أي الجماع ، وهو أكثر الثمار تغذية للبدن ، فهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحلوى "( زاد المعاد : جـ4صـ291).
(4) الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر "( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان – فضائل الصوم حديث رقم (3435) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3030).
(5) الدعاء عند الفطر:
عن ابن عمر قال : كان رسول الله إذا فطر قال :" ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله "( أخرجه أبو داود في سننه وحسنه الألباني في صحيح سنن أبى داود حديث رقم (2357).
(6) الجود ، وقراءة القرآن ومدارسته :
عن ابن عباس رضي الله عنهما : " كان النبي أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه النبي القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة "( رواه البخاري ومسلم).
(7) تجنب ما ينافي الصيام ( من رفث ، ولغو ، وشهادة الزور ، والنظر إلى المحرمات ، وغيبة ، وكذب وغير ذلك ):
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "( أخرجه البخاري في صحيحه).
وعنه رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله قال:" إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، ولا يجهل ، فإن شاتمه احد أو قاتله فليقل : إني صائم "( رواه البخاري ومسلم).
(
الســـواك:
ويستحب للصائم أن يتسوك أثناء الصيام ، ولا فرق بين أول النهار وآخره
ذلك لعموم الأحاديث الواردة في فضل السواك حيث أنها بين أول النهار وآخره أو الصيام وغيره.
قال الترمذي : " ولم ير الشافعي بالسواك ، أول النهار وآخره بأساً " ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك، وهو صائم.(فقه السنة : جـ1صـ459).
(9) الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان :
" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله ، وأيقظ أهله وشد المئزر "( رواه مسلم).
(10) تحري ليلة القدر وقيامها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال :" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "( رواه البخاري ومسلم).
وعن عائشة أن رسول الله قال: " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان "( رواه البخاري ومسلم).
(11) تفطير الصائم :
عن زيد بن خالد الجهني قال :قال رسول الله : "من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً "( أخرجه الترمذي في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (807).
(12) العمرة في رمضان :
قال رسول الله :" عمرة في رمضان تعدل حجة "( رواه مسلم).
قال الإمام المناوي رحمه الله: أي تقابلها وتماثلها في الثواب ؛ لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت ، ولا تقوم مقامها في إسقاط الفرض بالإجماع.(التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ2صـ288).
(13) قيام رمضان وفضله :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: " من قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( رواه البخاري ومسلم).
(14) الإكثار من تلاوة القرآن والحرص على ختمه أكثر من مرة :
كان الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله : إذا دخل رمضان قال :فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام .
وقال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف .
وقال عبد الرزاق:
كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.(لطائف المعارف : صـ246).
(15) الاعتكاف :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال :" كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان "( رواه البخاري ومسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي :"كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل،ثم اعتكف أزواجه من بعده "( رواه البخاري ومسلم).
الحرص على الصدقة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله : "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب ، فإن الله يتقبلها بيمينه ،ثم يريبها لصاحبها ، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " (أخرجه البخاري في صحيحه) الفلو:المهر الصغير .
وقال " عليكم باصطناع المعروف ، فإنه يمنع مصارع السوء ، وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل "( أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج حديث رقم (6) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4052).
(17) الدعاء لمن أفطر عند غيره:
ويسن لمن أفطر عند غيره أن يدعو بما في حديث مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: أفطر رسول الله عند سعد بن معاذ فقال :" أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ".( أخرجه ابن ماجة في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (1774).
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com