التحذير من منع الزكاة
إعداد : د/ أحمد عرفة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[آل عمران:102].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء:1].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عناصر الخطبة:
1-عقوبة مانع الزكاة فى القرآن 0
2-عقوبة مانع الزكاة فى السنة 0
الموضوع وأدلته
أولاً: عقوبة مانع الزكاة فى القرآن 0
قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) [التوبة: 34-35].
وقال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) [آل عمران: 180].
وقال سبحانه: (وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) [فصلت: 6، 7].
تعال معي وانظر في قول الله عز وجل (والذين يكنزون الذهب والفضة...) :
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: هو المال الذي لا تؤدى زكاته.
وروي عنه أيضاً أنه قال: ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وما كان ظاهر لا تؤدي زكاته فهو كنز.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – شدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا قول الله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) [آل عمران: 180].
في هذا الحديث الشريف إنذار من النبي صلى الله عليه وسلم لمانعي الزكاة بالعذاب الشديد في الآخرة لينبه بهذا الوعيد القلوب الغافلة ويحرك النفوس الشحيحة إلى البذل ويسوقها بالترغيب والترهيب إلى أداء الواجب طوعاً وإلا أخذت منهم الزكاة بسيف السلطان كرهاً كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وفي هذا الحديث صورة من العذاب الأليم الذي يناله مانع الزكاة حيث إن المال الذي كنزه يأتي يوم القيامة في صورة ثعبان غليظ أقرع يطوف على عنقه ويلدغه على شدقيه ويسخر منه ويقول له أنا مالك أنا كنزك نسأل الله العفو والعافية.
ومعنى الآية (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم): أي لا يظن الأغنياء الذين يبخلون عن الإنفاق في سبيل الله بما آتاهم الله من فضله إن البخل وبقاء المال وكثرته في أيديهم خير لهم فليس في البخل خير قطعاً.
(بل هو شر لهم): أي بل البخل وبقاء المال في أيديهم شر لهم لأنهم لم يتطهروا من البخل والشح، قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
(سيطوقون ما بخلو به يوم القيامة): هذه الجملة كالسبب للحكم لأن البخل شراً لهم أي إنما كان شر لهم لأنهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يجعل المال في عنقهم كالطوق.
قوله تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض): حث على الإنفاق وزجر عن البخل أي: إذا كان ميراث السموات والأرض لله وحده فالعاقل ينتهز هذه الفرصة إذا ورثه الله مالاً وأن يستفيد منه لآخرته لا أن يبخل به ثم يتركه لمن يرثه بعده ثم يتركه الجميع ويرثه الله تعالى ثم هم يسألون عنه ويعذبون على منع زكاته.
قوله تعالى: (والله بما تعملون خبير): ترغيب في الإنفاق في وجوه الخير وتخويف من البخل والشح أي إذا كان الله خبير بما يهمل العباد فإنه لا يضيع أجر العاملين ولا يهمل الظالمين.
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منهما حقهما إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها نار جهنم فيكوى بها جنبه وجنبيه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار...).
قال الإمام البيضاوي رحمه الله :
خص الجنب والجبين والظهر لأنه جمع المال ولم يصرفه في حقه لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس ،أو لأنه أعرض عن الفقير وولاه ظهره أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة
وقيل: المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه نسأل الله السلامة0 انظر)فتح البارى جـ3 صـ270)0
والمراد بالشجاع : الحية الذكر0
وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه0 انظر)فتح البارى جـ3 صـ270)0
وانظروا أيها الأخوة الأحباب إلى العقاب الدنيوي لمانعي الزكاة..
أخرج الإمام ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين، خمس إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد).
الخصلة الثالثة في هذا الحديث وهي منع الزكاة التي حق المال فما منع قوم الزكاة المفروضة وبخلوا بها إلا عجل الله الانتقام منهم بحرمانهم المطر الذي يكون سبباً للخيرات وكثرة البركات لأنهم حرموا المحتاجين حقوقهم فانتقم الله منهم بحرمانهم من أسباب الرزق وهو المطر، قال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) [الذاريات: 22]، والجزاء من جنس العمل.
ولولا أن الله عز وجل يلطف بالبهائم التي لا تعقل لما أنزل عليهم مطراً، فيعم الجدب ويموت الخلق، ولكن الله كريم، يرزق الأقوياء والعقلاء تبعاً للضعفاء وغير العقلاء كما ورد فى الأثر: (لولا شيوخ ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صباً).
ويؤيده ما جاء في الصحيح: (هل تنصرون وترزقون إلى بضعفائكم) [رواه البخاري].
وفي ذلك زجر لمن يفتخر على غيره بقوته وذكائه وقوة تفكيره في أسباب الرزق فالحديث يدل على أن الله يرحم العاقل بسبب وجود غير العاقل.
القطر والمطر سبب الخيرات والبركات والرخاء واليسر فيجب على من حباهم الله تعالى بالثروة أن ينفقوا مما آتاهم الله من فضله ولا يمنعوا الفقراء والمساكين من حقهم الذي جعله الله حقاً لهم من أموال الأغنياء حتى لا يعرضوا أنفسهم وغيرهم لسخط الله عز وجل وغضبه وعذابه ونقمته0
كما حدث ذلك لأصحاب الجنة التي ذكرت قصتهم في سورة القلم قال تعالى: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[القلم: 17- 38].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:
ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن -قال سعيد بن جبير: كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء. وقيل: كانوا من أهل الحبشة-وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة، وكانوا من أهل الكتاب، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ويدّخر لعياله قوت سنتهم، ويتصدق بالفاضل. فلما مات ورثه بنوه، قالوا: لقد كان أبونا أحمقَ إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء، ولو أنَّا منعناهم لتوفر ذلك علينا. فلما عزموا على ذلك عُوقِبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية، رأس المال الربح والصدقة، فلم يبق لهم شيء.
انظر: (تفسيرابن كثير:8/197)0
قال بشر بن الحارث: (لقاء البخيل كرب، والنظر إليه يقسي القلب).
وفي الأثر: بشر البخيل بحادث أو وارث.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ظلمونا حقوقنا التي فرضت عليهم فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأباعدنهم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم) [رواه الطبراني بسند فيه مقال].
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم مر ليلة أسري به على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد) [رواه البزار ورجاله].
وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله:
حبك للفقراء من أخلاق المرسلين، وإيثارك مجالستهم من علامة الصالحين وفرارك من صحبتهم من علامة المنافقين.
والله من وراء القصد
وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
0020119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com