الضرورة الشرعية وضوابطها (2)
في المقال السابق بيّنت حد الضرورة الشرعية، وهو أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطأ أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذي بالنفس، أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع، وأنه لا بد للضرورة من ضوابط وشروط تتحقق فيها، حتى يصح الأخذ بحكمها وتخطى القواعد العامة في التحريم والإيجاب بسببها، ومنها أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، وألا يكون هناك وسيلة لدفع الضرر إلا بارتكاب المحرم، وأن تكون الضرورة ملجئة بحيث يخشى تلف النفس والأعضاء، وأن يقتصر فيما يباح تناوله للضرورة على الحد الأدنى؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها.
فإذا اجـتـمـعت هذه الضوابط في حالة ما، كانت هذه الحالة ضرورة شرعية يؤخذ بـهـــا ويسـتـنـد إلـيهـا، لكن العمل بالضرورة مع كونه واجباً لا بد فيه من ضابطين:
الضابط الأول: أن تقدر هذه الضرورة بقدرها، من حيث الزمان والمكان والكم والكيف، فلا بـد مـــن تحـديــد المقدار الذي يدفع الضرر ويحقق المصلحة؛ لأن جواز الأخذ بالضرورة مقصور على هذا المقدار، وما زاد على ذلك يبقى في حيز التحريم، فلا يأكل المضطر من الميتة إلا بالقدر الذي يسد رمقه، وما زاد فهو حرام.
الضابط الثاني: أن العمل بالضرورة مرتبط بقيام الضرر وتوقعه، فإن زال فلا ضرورة؛ لأن الأخذ بالضرورة استثناء وبدل كالتيمم لا يجوز مع وجود الماء؛ إذ الماء أصل والتيمم بدل، والعمل بالبدل لا يجوز مع وجود الأصل، فبمجرد زوال العذر وارتفاع الضرر أو اختلال أحد الضوابط يبطل العمل بالضرورة، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة صوت الأزهر في العدد الصادر بتاريخ 22/4/2016م.